معنى الحكم الشرعي ومرجعيته


الحكم الشرعي:

وهو الأثر الذي يقتضيه خطاب الشارع في الفعل؛ كالوجوب، والحُرمة، والإباحة، وينقسم إلى نوعين:

1- تكليفي:

هو الذي يترتب عليه التحريم، أو الكراهة، أو الندب، أو الإيجاب، أو الإباحة، وهو المقصود هنا في غالب حديثنا.

2- وضعي:

هو خطاب الله -تعالى- المتعلق بجعل الشيء سببًا لفعل المكلف، أو شرطًا له، أو مانعًا، أو جعله صحيحًا، أو فاسدًا، أو رخصة، أو عزيمة.

والحكم الشرعي يقوم على معرفة مراد الله من خلال دراسة الأدلة الشرعية التي تشكل مرجعية لإصدار الحكم.

مرجعية الأفكار من حيث الصواب والخطأ، والحق والباطل: هي الشرع، وتنقسم هذه المرجعية اعتمادًا على الأدلة إلى: أدلة نقلية سمعية، وأدلة عقلية.. وكلها شرعية، والدليل الشرعي لا يكون إلا حقًّا، ويقابله الدليل البدعي -أو غير الشرعي-، ولا يقابل الدليل الشرعي الدليل العقلي؛ إذ إن الدليل العقلي دليل شرعي إذا كان منضبطًا، وإلا كان دليلًا بدعيًّا.

إذن فالمرجعية قسمان: شرعية، ويقابلها المرجعية البدعية، أو غير الشرعية، وتفصيلها كالتالي:

المرجعية الشرعية:

وهي متضمنة للنقل والعقل، وتنقسم حسب الاتفاق عليها أو عدمه، إلى قسمين؛ هما:

مراجع متفق عليها:

- الكتاب:

وهو كلام الله المنزل على نبيه -صلى الله عليه وسلم-، المعجز بنفسه، المتعبَّد بتلاوته، وهو أصل الأدلة الشرعية، وما عداه بيان له، وفرع عنه، ومستند إليه.

- السُّنة:

وهو ما صدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، سواءً كان قولًا، أو فعلًا، أو تقريراً، أو كتابة، أو إشارة، أو همًّا، أو تركًا.

وقد أجمع المسلمون على حجيتها، والله -تعالى- يقول: {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِين}[آل عمران:32]،

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال؛ فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام؛ فحرموه». «مسند أحمد».

ويجب علينا اتباع السُنة مطلقًا، سواءً كانت موافقة للقرآن، أو مبينة له، أو زائدة عنه.

- الإجماع:

وهو اتفاق مجتهدي عصرٍ من العصور من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته على أمر ديني أو دنيوي، والدليل على حجيته: قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}[النساء:115].

فتوعد الله -عز وجل- من اتبع غير سبيل المؤمنين بأن يولِّه ما تولَّى، مما يدلُّ على وجوب اتباع سبيل المؤمنين.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «فمن أراد بحبوحة الجنة؛ فليلزم الجماعة». «مسند أحمد»، و«صحيح ابن حبان»، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجتمع أمتي على ضلالة». «مسند أحمد»، و«سنن أبي داود».

- القياس:

وهو حمل فرع على أصل في حكمٍ بجامع بينهما، واتَّفق جمهور العلماء على إثبات القياس، بل ذكره بعضهم في المتفق عليه من الأدلة، ويستعمل القياس في إصدار الحكم إذا لم يكن في المسألة نص، وأن يكون صادرًا عن عالم مؤهل استجمع شروط الاجتهاد، وأن يكون القياس في نفسه صحيحًا قد استجمع أركانه الأربع، وهي:

1- الأصل المقيس عليه.

2- الفرع المراد إلحاقه بالأصل.

3- حكم الأصل.

4- الوصف الجامع بينهما؛ أي: العلة الجامعة بين الأصل والفرع.

مراجع مختلف فيها:

- الاستصحاب:

وهو استدامة إثبات ما كان ثابتًا، أو نفي ما كان منفيًّا، وهو نوعان:

نوع لا خلاف فيه: مثل استصحاب البراءة الأصلية، واستصحاب الدليل الشرعي، بحيث يبقى على عمومه، ويبقى العمل به، واستصحاب حكم الشرع، بحيث يستمر حتى يثبت خلافه.

والنوع الثاني: استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع، بحيث يستصحب الإجماع في القضايا غير المجمع عليها، وأكثر أهل العلم على أنه ليس بحجة، والنوع الأخير آخِر مدار الفتوى؛ إذ لا يلجأ إليه إلا عند انتفاء جميع الأدلة المتفق عليها.

- قول الصحابي:

ذهب معظم الأئمة إلى الاستدلال بقول الصحابي في المسائل الاجتهادية إذا لم يخالفه غيره، ولم يخالف نصًّا، ولم يكن معارضًا بقياس؛ فهم أعدل الأمة وأبرها، يقول الله -سبحانه وتعالى- في وصفهم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}[التوبة:100].

- شرع من قبلنا:

وله ثلاثة أحوال:

1- إما أن يوافق شرعنا؛ فهو مقبولٌ إجماعًا.

2- وإما أن يخالف شرعنا؛ فهو مردود إجماعًا.

3- وإما أن يثبت أنه شرع من قبلنا بطريق صحيح، ولا يرد في شرعنا ما يؤيده، أو يرده، أو ينسخه، أو يبطله، وهذا الذي فيه خلاف، وإن كان أكثر أهل العلم على الاحتجاج به.

- الاستحسان:

وهو ترجيح دليل على دليل، أو العمل بالدليل الأقوى والأحسن، وليس كما يفهمه بعض الناس: أنه ما يستحسنه المجتهد بعقله دون النظر في الأدلة المعتبرة؛ ولذا يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: «من استحسن؛ فقد شرَّع»، روضة الناظر (1/168)؛ إذ إن الاستحسان بالهوى والتشكي لا يجوز قطعًا.

- المصالح المرسلة:

الشرع مبني على تحقيق مصالح العباد، ودرء المفاسد عنهم في الدنيا والآخرة، فكل خير قد ورد في الشرع؛ لذا لا يمكن أن يقع تعارضًا بين الشرع والمصلحة، وهذه المصالح ثلاثة أنواع:

النوع الأول: مصالح معتبرة شرعًا: وهي التي جاءت الأدلة الشرعية بطلبها.

النوع الثاني: مصالح ملغاة: وهي التي جاءت الشريعة بإلغائها؛ كالمصلحة التي في بيع الخمر، أو في الربا -مثلًا-، وهذه ليست مصلحة، وإنما سميت كذلك من وجهة نظر العبد القاصرة.

النوع الثالث: مصلحة مسكوت عنها: وهي المصالح المرسلة، وهي ما لم يشهد الشرع لاعتباره ولا لإلغائه بدليل خاص، وإن كانت تدخل تحت دليل كلي يدل عليها، وهي تستند إلى مقاصد الشريعة وعمومياتها، وتسمى الاستصلاح، والمناسب المرسل.

ويعمل بالمصالح المرسلة جميع المذاهب، وإن زعموا ردها، وإنما يعنون بالرد وضع الشرع بالرأي، لذا؛ فيجب التحفظ والحذر بأن لا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع، وأن تكون عائدة على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة، وأن لا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير، وأن لا تعارض بمصلحة أرجح منها، أو مساوية لها.

 

5651


كلمات دليلية: